الجريمة والإرهاب تستند في الأساس إلى فكرة ذهنية بالية. فالقول الذائع، إن المجرمين يمارسون الجريمة لمجرد الربح المادي، وإن إرهابيين يعملون بصورة حصرية لتحقيق أهداف سياسية، يكذبه الواقع المعاصر من حيث المضمون، فالمجرمون لا ينتمون اليوم إلى منظمات تخضع لسلطة هرمية، لا تُشكّل تهديداً للدولة بالذات، كما كان ذلك صحيحاً بالنسبة للمافيا الصقلية أو الياكوزا اليابانية.
من حيث المنطق والعقل، يجب أن نكون واضحين إزاء الفرق بين مكافحة الجريمة المنظمة ومكافحة الإرهاب، و اكتساب التعاون في مكافحة الجريمة أمراً أكثر سهولة، لأن المسائل المتعلقة بسيادة الدولة أو استمرارية النظام نادراً ما تكون لها علاقة بذلك، وطرق القضاء على الجرائم العابرة الحدود لا تكون في حالات كثيرة مماثلة لطرق القضاء على الإرهاب. ومع ذلك فإن من الحقائق الثابتة أن الإرهابيين الذين يسعون إلى اكتساب سلطة سياسية أو تحقيق أهداف دينية، وليس الحصول على المال، ولكن بالطبع سيتعاونون ويتآمرون مع من يمارسون الجريمة المنظمة من أجل تمويل عملياتهم الإرهابية، والواقع أن هذه العلاقة المعقدة بين الإرهاب والجرائم العابرة للحدود والجريمة المنظمة بالرغم من حيث الفرق في وسائل مكافحة كل منها، فهي بكل تأكيد تؤدي إلى زيادة تعقيد مهمة المجتمع الدولي في معالجة المعضلة، كما يؤدي في أحيان كثيرة إلى الخلط بين هذه القضايا، مما ينعكس بالطبع على وسائل وطرق المكافحة، وهذا الوضع المعقد سبب من وجهة نظري للاهتمام بإنشاء الآليات اللازمة للرصد ودعمها بالوسائل الأساسية لتنفيذ الهدف منها مما وجب علينا وعلى المجتمع الدولي العمل على تحقيقه، فقد آن الأوان لأن يقوم المجتمع الدولي بعمل جماعي من إبرام اتفاقية دولية ملزمة للجميع من أجل مكافحة الإرهاب والقضاء عليه، لقد توصل المجتمع الدولي في إيجاد (اتفاقية لمكافحة الفساد) وهو إنجاز وعمل هام يشكر عليه، وأختص له بمكتب الأمم المتحدة المعنى لمكافحة المخدرات والجريمة، فالفساد وباء غادر يترتب علية نطاق واسع من الآثار الضارة، فهو يقوض الديمقراطية وسيادة القانون، ويؤدى إلى ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وتدهور نوعية الحياة، وينتج ازدهار الجريمة المنظمة و الإرهاب وغير ذلك من التهديدات والمخاطر.
وكذلك الاتفاقية الجديدة إنجاز رائع، وهي تكمل صكاً أخر يمثل معلما بارزا ألا وهو اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، والتي بدأ حيز النفاد والعمل بها يوم 29 دجنبر 2003, لقد أخذ الإرهاب أبعاداً دولية وأصبحت يده تضرب في مختلف أنحاء العالم , ولم يعد يقتصر على منطقة بذاتها، أو على شعوب بعينها ونتيجة لذلك أصبح الإرهاب من حيث الوقع خطراً عالمياً، فالإرهابيون يزيد نشاطهم ويتصاعد كل يوم وعلى نطاق واسع مستغلين الظروف الدولية المفتوحة والراهنة، وهذا بالطبع لا يعني إن القيود الدولية تحد من الأنشطة الإرهابية، ليس هناك أية منطقة أو أية دولة أو أي شعب أو أي شخص في مأمن من الإرهاب، لأن النشاط الإرهابي قد انتشر على المستوى الدولي، وأصبح عابراً للقارات، فالإرهابيون لهم شبكات تحالفاتهم واتصالاتهم وتمويلهم الدولية، وهم يتلقون التدريب والتعليمات والأسلحة من الخارج، كذلك فإن الإرهابيين يلجئون إلى الخارج بعد أن يرتكبوا جريمتهم، بالإضافة إلى اكتسابهم المهارات في الهروب من الثغرات الموجودة في النظام الدولي.
إن الجهود الرامية لمكافحة الإرهاب، لا تزال جهوداً إقليمية ووطنية، ولم تتبلور بعد بالشكل الكافي على المستوى الدولي، رغم خطورة الإرهاب وانتشاره في العالم.
فالإرهاب لم يقتصر على جهة معينة فحسب، وبالتالي يمكن إيجاده في أفقر بلدان أميركا اللاتينية وإفريقيا، وكذلك في قلب أوروبا المزدهرة. حيث تعمل فرق الجريمة و الإرهاب بالترافق والتوافق بينهما، و تسهل عملها ظاهرة الفساد، منطلقة من منطقة الحدود الثلاثية في أميركا اللاتينية “البرازيل، الأرجنتين و الباراغواي”، إلى مناطق النزاعات الإقليمية في غرب إفريقيا، و الاتحاد السوفياتي السابق، و إلى سجون أوروبا الغربية. وتتقاطع الجريمة والإرهاب أيضاً في استراليا، آسيا و أميركا الشمالية، كما تدل على ذلك القضايا الإجرامية، التي توثّق هذا المزيج الواسع من نشاطاتهما. والإرهابيون كثيراً ما أصبحوا يتنقلون بدعم من الجريمة، إلى ما بين هويتي الإجرام و الإرهاب. فالواقع والحقيقة يترجم لنا سماح هيكليات شبكات كليهما بالارتباط، سوى عن وعي أو بدونه، بهوية إحداهما الآخر. فقد تعمل المجموعتان بطرق مباشرة، أو قد تتصلان من خلال مسهلين بينهما. ففي لوس انجلوس،على سبيل المثال، منحت كلية تعليم اللغة نفسها إلى بعض الخاطفين المتورطين في أحداث 9/11، تأشيرات دخول، و زودت كذلك تأشيرات دخول أيضاً إلى مومسات تابعات لعصبة رئيسية لتهريب البشر. وبدورها انخرطت هذه الحلقة في تجارة بطاقات الهوية المسروقة، التي يمكنها تسهيل نشاطات الإرهابيين.
فالإجرام والإرهاب كلهما عملة لوجه واحد، فالعمل المراد تحقيق من خلاله إحداث نتيجة وكان بتدبير وقصد والهدف منة واحد، لا يتجزء ومرتبط ومكمل للأخر وهو خلق واقعة مروعة، ولنقارن عدد العمليات الإجرامية في الدول الأوربية، التي تقوم بها مافيا المال والمخدرات وما في حكمها مع العمليات الإرهابية التي تقوم بها المجموعات الإسلامية المتطرفة، سوف نجد أن عدد ضحايا العمليات الإجرامية تفوق بشكل كبير العمليات الإرهابية وكلاهما ينبثق من نفس المصدر، أي النشاطات الإجرامية أو الإرهابية المرتكبة ما هي إلا مجموعة منظمات إجرامية تعمل بشكل منظم، وبالتالي إلصاق بكل عملية إجرامية يقوم بها مسلم في الغالب تسمى جريمة أو إرهاب، والخطورة في ذلك هو تعمد الكثير بإلصاق صفة الإرهاب على الإسلام وتشويهه, وهذا تميز عنصري يدل بشكل واضح إن المدبر الحقيقي لهذه العملية أو غيرها من العمليات هو نفسه يدعي لمحاربتها، أي أن “القاضي هو الجاني الحقيقي” فداعش أو القاعدة أو غيرها من المسميات هي في الحقيقة مجموعات إجرامية أسست وصدرت على يد الدول التي تحاربها أو تدعي محاربتها.
هذه التنظيمات والمجموعات المصدرة تمتلك وبحوزتها المال والأسلحة قد تصل إلى تطوير نفسها بشكل سريع وفى زمن قصير، وبالإضافة إلى ذلك سيطرة هذه المجموعات على مراكز حيوية في الدول العربية و الإسلامية، مثل منابع النفط أو الأطراف الحدودية، أو المراكز التنموية للدول، دون المبالات للدول التي تعتبر مستفيد من هذه المواقع، أي مثل أغلب ومعظم الشركات النفطية الأجنبية، فهم المستفيدين من النفط العربي والإسلامي والتي في معظمها أو في غالبها الداوعش مسيطرة عليها، مثل العراق وسرت الليبية، وليس بالضروري أن تكون مدن نفطية قد تكون أماكن تمركز لهم، مثل مدينة درنة وبنغازي، ولو نظرنا لماذا يتواجد داعش في مدينة سرت الليبية ؟.
حيث نستنبط وبتحديد وبمراجعة الموقع الجغرافي بالإضافة للمخطط التاريخي، فهو محاولة لتقسيم ليبيا وفق النفوذ التاريخي شرقاً يمثل في برقة، وغرباً يمثل في طرابلس وجنوباً يمثل فزان، أي النفوذ الأوربي وتحديداً الفرنسي يعتبر منفذه الوحيد للبحر المتوسط هو سرت, هكذا يعاد تقسيم المقسم بأدوات صنعت بعضها عندهم، والبعض الأخر في الوطن نفسه، أما ما صنع عندهم وثم تصديره من مجموعات التنظيم الإجرامي إلى ليبيا، هم في معظمهم من الدول العربية وتحت النفوذ الفرنسي بشكل خاص، مثل تونس أو مالي أو الدول الإفريقية ذات النفوذ الفرنسي، أما ما صنع بداخل الوطن فهو بسبب جلب الديمقراطية وما يسمى بالحرية، والتي انبثقت من خلال انتفاضة تحريضية ضد نظام حاكم بقبضة قوية، وكان مسيطر على البلاد بالحديد والنار، و أيضاً صناعة توجهات ثورية أو ما يسمى بالثوار وطوائف دينية مختلفة, ولنا في الفوضى وتفشى الجريمة واستفحالها والإرهاب خير عنوان.
فالجرائم المنظمة ضد الإنسانية بحق المهجرين والنازحين، والمرتكبة من قبل مجموعات ضد المدن الليبية، مثل مدينة ” بني وليد، ورشافنة وككلة، المشاشية والقواليش” وغيرها من المدن، ومدينة ” تاورغأ ” وتهجير أهلها ونزوحهم خير ذليل على ذلك، ومن الجرائم المنظمة تحقيقاً لأهداف إرهابية منها على سبيل المثال لا الحصر اغتيال اللواء “عبد الفتاح يونس” وكذلك اغتيال “السفير الأمريكي” في مدينة بنغازي واغتيال الحقوقي “عبد السلام المسماري” وغيرهم من الحقوقيين والسياسيين وضباط الجيش ورجال الأمن ومنهم على سبيل المثال مدير مديرية أمن طرابلس العقيد “محمد السويسي”، وذلك من قبل مجموعات إرهابية منظمة تتفنن في تنفيذ الجرائم المنظمة ذات الارتباط الوطيد بالعمليات الإرهابية.
وما تشهده “مدينة بنغازي” من جرائم وإرهاب، منظم ومخطط ومعد و ممنهج له وفق أهداف معلومة، من قبل مجموعات إرهابية تفوق الوصف، وخير ذليل على ذلك ما صرح به مؤخراَ “الأمين العام للأمم المتحدة” وقبل إعداد هذا المقال، بقوله هناك تحالف بين “مجلس شورى ثوار بنغازي وتنظيم داعش”، وبدعم من مجموعات معينة من مصراتة وطرابلس، أيضاً هناك العديد من المجموعات المسلحة والتي تقوم بالجريمة المنظمة وذلك بالسطو على المصارف الليبية وسرقة المال وبكميات كبيره، والهدف منها هو تمويل عمليات الإرهابيين من أجل تحقيق أهدافهم، والغريب في هذا الأمر يخرج علينا ذات مره عضو من “المؤتمر الوطني العام”، المدعو ” محمد أبوسدره ” وهو رئيس لجنة تحقيق، و يعترف صراحة بأنه يعرف من قاموا بالسطو على “المصرف المركزي فرع مدينة سرت” ويعرف من يقف وراءهم وتحاور معهم، وقال إن مكان الأموال ثم التوصل إليه ومحاصرته، وإن من قاموا بعملية السطو المسلح معرفون لدى الجهات الأمنية، وستتخذ حيالهم الإجراءات اللازمة والحازمة في حالة عدم تسليم أنفسهم وإرجاع الأموال إلى الدولة، ووعد بإرجاع المال المسروق من سارقيه، ولكن للأسف لم يفي بعهده، أليس هذا أمر غريب ويضع ألف علامة استفهام.
إنها الجريمة المنظمة لتمويل الإرهاب، الأمر الذي أذى إلى نزع وتأكل مقومات الدولة وأصبحت دولة فاشلة بكل المعايير والمقاييس المتعارف عليها دولياً، وبالتالي حلت الفتنة والتفرقة والفوضى والأخطر من ذلك هو التقسيم لو استمر الحال كما هو عليه.