إمنتانوت.. أساتذة وباحثون يسلطون الضوء على ظاهرة بيلماون

الإخبارية 2422 يوليو 2024
الإخبارية 24
جهات
إمنتانوت.. أساتذة وباحثون يسلطون الضوء على ظاهرة بيلماون

الإخبارية 24 / عباس كريمي 

في إطار تسليط الضوء على ظاهرة بيلماون أو بو البطاين، نظمت جمعية بيلماون أفلانتلات بشراكة مع المجلس الجماعي لإمينتانوت يوم السبت 20 يوليوز، ندوة حول موضوع “بيلماون إمينتانوت رافعة للتنمية المحلية”.

وقد عرفت الندوة مشاركة مجموعة من الباحثين والأساتذة بالمدينة، وآخرون من مدينة أكادير.

وقد إفتتح الأستاذ عبد الرحيم أمدجار (مدير ومنسق الندوة) هذا اللقاء بكلمة رحب من خلالها بالضيوف المشاركين، مؤكدا بأهمية الندوة لما تجمع من نخبة المثقفين والباحثين والمهتمين بالتراث الثقافي.

معتبرا في ذات السباق، أن المبتغى من تنظيم هذه الندوة هو التعريف ب بيلماون والبحث عن طريقة مثلى للدفع به كأداة مساهمة في تنمية المجتمع المحلي بغية تشجيع الأنشطة الإقتصادية بالمنطقة.

وخلال المداخلة الأولى للأستاذ الحسين بويعقوبي (أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة إبن زهر) تطرق لعدد من النقاط المرتبطة “بيلماون” حيث ذكر الحاضرين إلى أن الغالبية من المهتمين الموروث يجهلون تاريخه بكل أبعاده الثقافية والأنثروبولوجية، معتبرا أصول بيلماون ترجع إلى الممارسات التعبيرية داخل المجتمعات الزراعية في شمال إفريقيا وذلك قبل الإسلام، لأنها ترتبط بالفلاحة والخصوبة وتتزامن مع “يض إيناير” أصلا.

كما تطرق الحسين بويعقوبي إلى البعد الإجتماعي والثقافي لبيلماون، بإعتبار أن الكرنفال يجسد مناسبة للأفراد، للتعبير أكثر و التحرر من القيود الإجتماعية المألوفة، لتجسيد أدوار يصعب القيام بها في الظروف العادية، مثل تمثيل أدوار شخصيات من ديانات (أوداي/أورومي) أي اليهودي النصراني أو أجناس أخرى مختلفة (تيعزا)، هذا النمط من التحرر مقبول لدى الكل بما فيهم المشاركين و المتفرجين.

وأكد بويعقوبي من جانبه بخصوص توثيق الموروث أن الكتاب والموثقين في الماضي ركزوا على ما إعتبروه “مهما” مثل مواضيع الدين والسياسة، في حين تجاهلوا توثيق الموروث الشعبي لمن ذلك ظهرت النصوص التي تناولت هذه المواضيع بعد ظهور علومهم جديدة في فترة الإستعمار كالإثنوغرافيا والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا.

كما تناول بويعقوبي أيضا البحث الجامعي في المغرب بعد الإستقلال، معتبرا أن هناك تراجعا إذا ماقمنا بالعودة للممارسات التي عرفتها الكتابة خلال الفترات السابقة للإستعمار، الشيء الذي أدى إلى إستبعاد دراسة المواضيع الإثنوغرافية والأنثروبولوجية حتى الثمانينيات، عندما قدم الأستاذ عبد الله حمودي أطروحته للدكتوراه حول بيلماون بعنوان “الضحية والأقنعة”، مما شكل طفرة في البحث الجامعي آنذاك.

وقد إختتم الأستاذ بويعقوبي مداخلته بالحديث عن دور هذه الأنشطة في المجتمع اليوم، مشيرا إلى أنها لها ثلاثة أدوار أساسية:

1- دور إجتماعي: تحقيق الألفة بين الناس بمناسبة كل إحتفال .
2- دور فرجوي: إمتاع الجمهور بأجواء الاحتفال.
3- دور تنموي: ربط النشاط بالبعد التنموي بالمساهمة في التنمية الإقتصادية والسياحية لبعض المناطق.

فيما كانت المداخلة الثانية، للأستاذ محمد أقديم (أستاذ وباحث في تاريخ المنطقة) والتي تطرق من خلالها لعدد من النقاط المتحورة حول ظاهرة “بيلماون” حيث أكد أنه بالدرجة الأولى، نشاط فريد يفرض نفسه في المشهد الثقافي بقوة، بإعتباره نقطة للتفاعل الثقافي وليس العكس لذى بعض الآخرين، بحيث لم يعتبره مجرد إحتفال عابر، بل نمط واقعي لتجسيد حي لتلاقح الثقافات وتفاعلها.

كما أكد الأستاذ محمد أقديم، أنه من اللازم وجود شذرات حول بيلماون في كتب الفتوى يمكن تسميتها “بالتاريخ”، لكن الملفت للإهتمام، أنها لم تتطرق بشكل مباشر لهذا النشاط الفني، بحيث لم تصدر أي فتوى دينية حول بيلماون، الا من إشارة بشكل إستثنائي في أحد كتب التراجم للتعارجي فيه إشارة إلى ظاهرة تشبه في وصفها بيلماون.

وأضاف أقديم، أن الأصل الأسطوري لبيلماون يرجع إلى قصة تحكي أن رجلين تنكرا في جلود الماعز مغتصبين إمرأتين في ضريح الأضرحة قرب جبال درن، وكان عقابهما الإلهي أن ألصقت الجلود بهما، هذا العقاب الأسطوري أدى بهما إلى البحث عن طريقة قصد التكفير عن خطيئتهما، وذلك من خلال الظهور كل سنة، الشيء الذي جعل الناس يشاركونهما قصد العيش بسلام في إطار حياة طبيعية لحظية إثر المشاركة الفعالة في بيلماون بلباس بوجلود، وذلك ما يعكس عمق الطقوس الدينية والثقافية المتجذرة في هذا الحدث.

وأكد الأستاذ أقديم أيضا، أن بيلماون هو بوتقة تنصهر فيها الثقافات الوافدة، حيث نجد شخصية اليهودي (أوداي)، وشخصية النصراني (أرومي)، وشخصية الإفريقي (إيسمگ)، إلى جانب الرقصات الجماعية للوافدين، بيلماون هو أيضا فرصة سنوية لإعادة النظام الإجتماعي “بطريقة عكسية” وذلك من خلال إنتقاد الممارسات غير المقبولة في المجتمع وتسليط الضوء عليها من خلال المحاكاة.

وقد إختتم الأستاذ أقديم مداخلته بالقول بأن “بيلماون ليس مجرد إحتفال، بل هي مرآة تعكس تنوعنا الثقافي وعمق تقاليدنا، ويذكرنا بأهمية التفاعل الثقافي في بناء مجتمع متسامح ومتفاهم”.

فيما تناولت المداخلة الثالثة للأستاذ عبد السلام بوجى (أستاذ وباحث في التراث الأمازيغي)، عدة نقاط حول “بيلماون”، حيث أشار في البداية إلى أنه كان من الطقوس القديمة جدا حسب كتابات إميل لاوس وغبرييل كامبس، وأوضح أن بيلماون في عمقه يحمل نظرة فلسفية للوجود وعلاقة الإنسان الأمازيغي بالآخر، حيث تمثل كل أيام السنة مجالا لتداول الثقافة المحلية، بينما يعتبر بيلماون فترة ومجالا لإستيعاب ثقافة الوافدين، وهي لحظة لتقبل “الآخر الإيجابي” وإستبعاد “الآخر السلبي”.

وأكد أن بيلماون يجسد شعار “الوحدة في الإختلاف والتعددية الثقافية”، وأشار أنه من بين النصوص القديمة المسجلة حول بيلماون، نجد البكري يتحدث عن طقوس عند بني ماغوس، والوصف يطابق نشاط بوجلود (قبيلة ماغوسة ما زالت موجودة حتى الآن في جبال درن قرب أسيف المال).

وإختتم الأستاذ عبد السلام بوجى مداخلته بأن كل عنصر في بيلماون لا يوجد بشكل إعتباطي بل له مكانة مميزة ويسجل لحظة من اللحظات التاريخية، فعلى سبيل المثال شخصية بورام (صاحب الناقة) تسجل لحظة قدوم الصنهاجيين من الجنوب، وشخصية أرومي تسجل لحظات قدوم المستعمرين الرومانيين / البرتغاليين / الفرنسيين، أما شخصية بويغد (صاحب الرماد) فإنها تمثل التطهير، حيث غالبا ما يضرب المتكبرين ليطهرهم من “الطارئ” فالقبيلة لا تقبل إلا المساواة.

فيما ناقشة المداخلة الرابعة للسيد خالد القائدي (كاتب جماعة أكادير، وممثل اللجنة المنظمة للكرنفال الدولي بيلماون)، موضوع “بيلماون والتنمية”، حيث سلط الضوء على التأثير الإيجابي لبيلماون على مدينة أكادير، وقد أشار أن النشاط يعزز جاذبية المدينة، حيث تشهد الفعاليات المصاحبة للكرنفال زيادة في أعداد الزوار تصل إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف، مما ينعكس إيجابا على قطاع النقل والفنادق والتجارة، كما أكد أن مطار أكادير سجل حضور أجانب من قبائل الجزائر وفرنسا وإسبانيا خلال دورة 2024م.

كما أكد كذلك أن بيلماون يشجع التنمية المحلية من خلال تعزيز السياحة والحركة الإقتصادية في المدينة، وأشار إلى أن الرهان مستقبلا يتمثل في جعل أكادير عاصمة للثقافة الأمازيغية عبر تنظيم العديد من التظاهرات الثقافية، ويعد بيلماون أحد هذه التظاهرات.

وفيما يخص شكل الأقنعة أشار خالد القائدي أن دورة بيلماون لعام 2024 شهدت مراجعة بعض القواعد، حيث تم تشجيع المشاركين على إبراز الشخصيات “الرئيسية والأصلية” في بيلماون واستبعاد الباقي من خلال مسابقة، دون منعهم فعليا من الحضور، ونتيجة لذلك فازت جمعيات إمينتانوت بالمراتب الأولى نظرا لحفاظها على الأصالة في إستحضار بعض الشخصيات الأصيلة في التظاهرة مثل (اوداي، أرومي، بوترامت، وتعزا).

في آخر المداخلة أكد خالد القائدي أن “بيلماون” خلق نقاشا إعلاميا مثمرا في آخر المطاف، ما شجع على حضور جهات رسمية وممثلين لليونسكو وسفراء دول وشخصيات ثقافية بارزة خلال دورة 2024، مما يعكس أهمية هذا الحدث على الصعيدين المحلي والدولي.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة