إستقبل جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، اليوم الإثنين 29 يوليوز، بالقصر الملكي بتطوان، والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، الذي قدم لجلالته التقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الإقتصادية والنقدية والمالية برسم سنة 2023.
وفي معرض كلمته بين يدي جلالة الملك، قال عبد اللطيف الجواهري، إنه رغم سياق دولي صعب وتوالي سنوات الجفاف، وكذا الزلزال العنيف الذي ضرب منطقة الحوز، عرف الاقتصاد الوطني سنة 2023 تحسنا ملحوظا حيث سجل نسبة نمو بلغت 3,4 بالمائة.
وبالموازاة مع ذلك، أكد الجواهري أن التضخم وبعد أن وصل إلى ذروته في شهر فبراير حيث استقر في 10,1 بالمائة، تراجع بشكل تدريجي ليكمل السنة بمتوسط 6,1 بالمائة مقابل 6,6 بالمائة في 2022.
كما أوضح أن هذا التطور يُعزى بالإضافة إلى تدني الضغوط الخارجية، إلى التدابير المتخذة من قِبل الحكومة، وكذا إلى تشديد بنك المغرب للسياسة النقدية موازاة مع مواصلته تلبية كافة طلبات البنوك من السيولة.
وعلى العكس من ذلك، أكد والي بنك المغرب أن الوضعية في سوق الشغل ظلت صعبة في 2023، مع فقدان ما يقارب 157 ألف منصب، ما يعكس إنخفاضات هامة في القطاع الفلاحي، مبرزا أن باقي القطاعات سجلت تحسنا نسبيا لم يكن كافيا لتعويض هذه الخسارات.
وفي ما يتعلق بالمالية العمومية، أشار عبد اللطيف الجواهري إلى تواصل جهود تعزيز الميزانية حيث إنخفض العجز إلى 4,4 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي، بفضل الأداء الجيد للمداخيل الجبائية، والعائدات الهامة لآليات التمويل المبتكرة، علاوة على الموارد التي تمت تعبئتها من خلال “الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال” الذي أُحدث بتعليمات سامية من صاحب الجلالة.
وعلى صعيد الحسابات الخارجية، قال والي بنك المغرب إن العجز الجاري تراجع إلى 0,6 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي بفضل استمرار دينامية صناعة السيارات، وتدفق مداخيل الأسفار وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، مضيفا أن الأصول الإحتياطية الرسمية لبنك المغرب تحسنت إلى 359,4 مليار درهم، أي ما يعادل قرابة 5 أشهر ونصف من الواردات.
كما أبرز الجواهري أنه رغم الإكراهات وتوالي الصدمات، واصل المغرب، معززا بإستقراره السياسي والإجتماعي، برنامج إصلاحاته وأوراشه الإقتصادية والإجتماعية الكبرى، بل وسّع من نطاقها.
وأضاف والي بنك المغرب، أن هذا التوجه إلى جانب مصداقيته كشريك موثوق، مكن المغرب من الحصول على تقييمات إيجابية من المؤسسات الدولية ومن الولوج بسهولة أكبر إلى الأسواق المالية وإلى أدوات التمويل والائتمان، بالإضافة إلى استضافته في أكتوبر الماضي للاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وإعتبر الجواهري أن التحدي اليوم يبقى الحفاظ على هذا الزخم وتوطيد المكتسبات والسهر على إستدامتها، موضحا أنه لأجل ذلك، يتعين على المغرب تدبير وإنجاح عدد من التحولات الكبرى التي بادر بها صاحب الجلالة.
وهكذا، ولكي يساهم الحوار الإجتماعي بشكل أكبر في انتقال المغرب نحو دولة إجتماعية، أكد الجواهري أنه سيكون أكثر حكمة وإنصافا أن يعتمد على مقاربة تأخذ بالإعتبار، بالإضافة إلى تحسين ظروف العمل، العدالة الإجتماعية وتقليص الفوارق.
كما ذكّر بأهمية إستكمال إصلاح أنظمة التقاعد، في حين أن توازنات هذه الأنظمة تظل هشة.
ولإنجاح الإنتقال نحو إقتصاد أخضر ومستدام، أبرز والي بنك المغرب أنه ينبغي بالإضافة إلى الحلول الإستعجالية الضرورية، تسريع تنفيذ سياسات التأقلم مع التغير المناخي ومحاربته وكذا ضمان المزيد من الفعالية والتجانس بينها، مما من شأنه تعزيز مكانة المغرب كأحد الرواد في هذا المجال.
وعلى مستوى الإنتقال الرقمي، أكد عبد اللطيف الجواهري أنه عشية إطلاق إستراتيجية جديدة، يبقى تحقيق هذا الورش مشروطا بتقوية البنية التحتية الأساسية، خاصة العمومية، وتحسين جودة التعليم والنهوض بالثقافة الرقمية وكذا توفير بيئة مُحفزة لبروز منظومة رقمية متكاملة.
وفي المجال المالي، قال والي بنك المغرب إن البنك المركزي يعتزم، بالتعاون مع الأطراف المعنية، إحداث صندوق خاص بالتكنولوجيات المالية الحديثة سيوفر دعما ماليا لحاملي المشاريع بالإضافة إلى مواكبتهم في تنزيلها.
كما أشار والي بنك المغرب إلى أن نجاح هذه الإنتقالات الكبرى مرهون بتوفر موارد هامة لا يمكن للدولة وحدها تعبئتها بشكل مستدام، مما قد يستدعي مشاركة القطاع الخاص والشركاء الأجانب.
وخلص الجواهري إلى أن المغرب يواصل بكل عزم مسيرته التنموية وانتقاله إلى مصاف الدول الصاعدة، وإلى أن تحقيق هذا الإنتقال يبقى رهينا بإستمرار السياسة العمومية في التركيز على أساسيات التنمية.
ويتعلق الأمر بالخصوص، حسب والي بنك المغرب، بتطوير الرأسمال البشري، وتعزيز الحكامة، وتحسين مناخ الأعمال بالموازاة مع الحفاظ على التوازنات الماكرو إقتصادية، وتعبئة كافة القوى الحية في البلاد بروح من الجدية والمسؤولية، مع إعطاء الأولوية القصوى للمصلحة الوطنية، كما دعا إلى ذلك جلالة الملك في خطاب العرش للسنة الماضية.
وبهذه المناسبة، قدم والي بنك المغرب لجلالة الملك، التقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الإقتصادية والنقدية والمالية برسم سنة 2023.