إن الله تعالى جعل عدة الشهور اثنا عشر شهرا في كتابه واختار منها رمضان واختار منه ليلة هي خير من ألف شهر من اغتنمها حف له الخير، وهذا التفضيل راجع بالأساس لنزول القران فيه قال جل جلاله وعم نواله :{ شهر رمضان الذي أنزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان }.
ففي هذا الشهر الفضيل تفتح الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد الشياطين، لشهر رمضان فوائد ومزايا كثيرة وخير الفوائد التي يجنينها الإنسان مغفرة الله عزة وجل مصداقا لقول إمام المتقين وحبيب رب العالمين صل الله عليه وسلم { من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه } .
وهنا وجب التوقف لتعريف الصيام لأن المناسبة شرط ومعرفة الأشياء خير من جهلها فقد عرف الإمام بن عرفة رحمه الله الصيام بقوله: { الصوم رسمه عبادة عدمية وقته طلوع الفجر حتى غروب الشمس }، وقد تعددت فوائد هذا الشهر من الناحية الاجتماعية والدينية فمن بين فوائده الاجتماعية إقرار مبدأ التكافل الاجتماعي والعدل والمساواة بين طبقات المجتمع فإذا قلنا كل الناس سواسية أمام القانون فكذلك في الصيام كل الناس سواسية أمام القانون الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ومن فوائده أيضا صون المجتمع من الشرور والمفاسد والمهالك، فالصائم حين يكف نفسه عن ضروريات الحياة يدرك ما يعانيه الفقير من الجوع والحرمان وما يشعر به المحتاج الفاقة والعوز، فترقى نفسه وتفيض بالحنان والعطف ويلين قلبه فينفجر بالجود والسخاء، لذلك فأفضل الصدقة ما كانت في رمضان فقد روى الإمام أحمد والنسائي من حديث زيد ابن خالد الجهيني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من أفطر صائما كان له مثل أجره غير انه لا ينقص من أجر الصائم شيء }، والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا هل هلال رمضان أطلق الأسير وأعطى السائل وفرج عن المكروب وكان جوده صلى الله عليه وسلم جامعا لأنواع الجود من بذل العلم والمال والنفس، والرسول صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.
ومن بين الفوائد الدينية لهذا الشهر الكريم الرضا بحكم الله ومنه يتعلم الإنسان الصبر من خلال انتظاره سماع الآذان وكذلك تعويذ النفس على الإكثار من ذكر الله والمداومة عليه، به يزال عمى البصيرة قال العارف بالله سيدي محمد الحراق رضي الله عنه :
ذكر الإله به ينال رضاه ويزول عن بصر الفؤاد عما
كم قد سما بدوامه من مخلص فيه فأشرق في الوجود سناه
فشهر رمضان فرصة لترتيب الأوراق يستطيع المؤمن من خلاله أن ينظم وقته وحياته بشكل صحيح بعيدا عن كل أشكال الفوضى التي تدمر الإنسان وتجعله يهدر المزيد من وقته في أشياء لا فائدة له بها وتسبب له المهالك التي تسقطه بلا شك فيما يجلب له النقمة ويبعد عليه النعمة .